علاقة الأهلي و الإسماعيلي الحقائق و الأكاذيب 𝟑
ومن خلال الوثائق التاريخية التي نشرناها في الحلقة السابقة نتفهم السبب فيما جرى من واقع ما كتبه الراحل نجيب المستكاوي، فبعيداً عن الشحن الجماهيري وغيره وبعيداً عن إلقاء الاتهام على 𝟑𝟏 مشجعاً القي البوليس القبض عليهم فقد كان الشغب شبه جماعي ولا يمكن أن يكون المقبوض عليهم فقط هم المتسببين في هذا الشغب، فقط هم من قبض عليهم البوليس، والحقيقة أن استعانة النادي الإسماعيلي بطه بصري مع بعض نجوم مصر في وقت لم تكن فيه هناك بطولات محلية كي يساهموا في مسيرة الإسماعيلي الأفريقية كان سبباً رئيسياً في الشغب، ويدل على هذا استفاضة الراحل نجيب المستكاوي في الحديث عن هذا الأمر، رغم أن الإسماعيلي استعان بنجوم آخرين خلاف طه بصري وهم الحملاوي وإبراهيم الخليلي من الترسانة وهاني مصطفي من الأهلي والبوري وفاروق السيد من الأوليمبي ومجدي كامل من السكة الحديد وشحتة الإسكندراني من الإتحاد السكندري، إلا أن جمهور الزمالك اتهم الإسماعيلي بخطف طه بصري من الزمالك ولم يكن هناك أي وعي فاندلع الشغب، وهنا قررت إدارة الإسماعيلي أن تنهى ضيافة نادي الزمالك لها وتنتقل إلي مركز شباب الجزيرة تفادياً لأي مشاحنات مع جمهور الزمالك، كما لم تطل فترة لعب طه بصري للإسماعيلي أفريقياً فما لبث أن تركه وسافر ليلعب لأحد أندية الكويت. (جاءت استعانة الإسماعيلي بثمانية لاعبين من الأندية الأخرى بسبب اعتزال عدد من نجوم الإسماعيلي بعد الفوز بكأس أفريقيا للأندية أبطال الدوري في 𝟗 يناير 𝟏𝟗𝟕𝟎)
وبالفعل فبعد واقعة الشغب بثلاثة أيام وفي يوم الاثنين 𝟏𝟎 أغسطس 𝟏𝟗𝟕𝟎 تمت عملية انتقال فريق الإسماعيلي إلي مركز شباب الجزيرة ونشرت جريدة الأهرام الخبر يوم 𝟏𝟏 أغسطس 𝟏𝟗𝟕𝟎 تحت عنوان “تهجير الإسماعيلي إلي خيمة مركز شباب الجزيرة.. الإسماعيلي والترسانة يلعبان في ملعب النادي الأهلي”:
“تمت أمس عملية تهجير فريق الإسماعيلي في مركز شباب الجزيرة ريثما ينتهي النادي من إعداد مقره الجديد في المركز نفسه وهو مبنى كبير يضم 𝟏𝟔 غرفة مزود بكل وسائل الراحة في الإقامة والعلاج والتدريب والترفيه، وقد راعى الإسماعيلي الانتقال من الزمالك تفادياً للحساسية وحرصاً على بقاء العلاقات الطيبة بين الناديين شاكراً للزمالك استضافته تلك الفترة الطويلة، صرح بذلك المهندس عبد الحميد عزت وكيل النادي.
ومن جهة أخرى قال علي عثمان مدير الفريق أن مباراة الإسماعيلي والترسانة في الدورة الصيفية المحدد لها 𝟏𝟔 أغسطس ستقام على ملعب النادي الأهلي في ضوء الأنوار الكهربائية بدلاً من ملعب الزمالك استعدادا للقاء فريق السجون الأوغندي في بطولة أندية أفريقيا في سبتمبر القادم، وعقب المباراة مباشرة ينتقل الإسماعيلي إلي الإسكندرية ابتداء من 𝟏𝟕 أغسطس ليقيم معسكراً إعدادياً في معهد التربية الرياضية بأبي قير”.
وعندما قرر إتحاد الكرة إقامة بطولة الدوري موسم 𝟏𝟗𝟕𝟐/𝟏𝟗𝟕𝟏 طلب النادي الإسماعيلي من النادي الأهلي أداء مبارياته على ملعبه بإستاد التتش بالجزيرة بدلاً من ملعب نادي الزمالك وبالفعل وافق النادي الأهلي على ذلك، وهو ما ينفي شكلاً وموضوعاً الحكاية الملفقة والمزورة والحقيرة عن رفض النادي الأهلي استضافة الإسماعيلي.
وجاء هذا الخبر في صحيفة الأهرام يوم 𝟏𝟖 أكتوبر 𝟏𝟗𝟕𝟏 كما يلي
“طلب النادي الإسماعيلي من مجلس إدارة النادي الأهلي الموافقة على إقامة مباريات الإسماعيلي في دوري كرة القدم بإستاد التتش بالأهلي”.
وفي اليوم التالي 𝟏𝟗 أكتوبر 𝟏𝟗𝟕𝟏 نشرت نفس الصحيفة ما يلي
“وافق النادي الأهلي على طلب الإسماعيلي بشأن إقامة مبارياته في دوري كرة القدم على إستاد التتش بالأهلي”.
واستمر النادي الإسماعيلي في اللعب على إستاد مختار التتش بالأهلي حتى جاءت مباراة الأهلي والإسماعيلي بالدوري موسم 𝟏𝟗𝟕𝟐/𝟏𝟗𝟕𝟏 وكان مقرراً إذاعتها تليفزيونياً، إلا أن التليفزيون أعلن يوم المباراة عن عدم إذاعتها فاندفعت الجماهير لإستاد التتش وكان عدد الجمهور أكبر بكثير من سعة الملعب لتتدافع الجماهير وتجلس بجوار خطوط التماس وتدخل بعض الجماهير الملعب من شدة التدافع والازدحام ليوقف الحكم المباراة بعد نصف ساعة والنتيجة التعادل بدون أهداف في مباراة شهدت إصابة نجم الأهلي الصاعد مصطفي عبده ويتدخل اللواء ممدوح سالم وزير الداخلية وقتها ورئيس وزراء مصر فيما بعد ليطلب إلغاء المباراة بسبب عدم السيطرة على هذا العدد الضخم من الجماهير، وبعدها صدر قرار بنقل مباريات الأهلي جميعاً لإستاد القاهرة، وتوقف الدوري مرة أخرى بعد إلغاءه نتيجة ما حدث في مباراة الأهلي والزمالك الشهيرة بإستاد القاهرة ليستأنف في موسم 𝟏𝟗𝟕𝟑/𝟏𝟗𝟕𝟐 والذي فاز به فريق غزل المحلة بجيله الذهبي الشهير ثم يتوقف مرة أخري موسم 𝟏𝟗𝟕𝟑/𝟏𝟗𝟕𝟒 لقيام حرب أكتوبر المجيدة، وعلى أثرها عادت فرق القناة لبلادها بعد تحرير التراب المصري لتنتهي حقبة تاريخية وتبدأ حقبة أخرى كان من أهم أحداثها محاولة مسئولي الزمالك في موسم 𝟏𝟗𝟕𝟓/𝟏𝟗𝟕𝟒 نقل مباراة الإسماعيلي والزمالك إلى خارج الإسماعيلي بحجة دواعي الأمن رغم أن مباراة الأهلي والإسماعيلي أقيمت قبلها بالإسماعيلية ولكن تم إجهاض محاولات نادي الزمالك وأقيمت المباراة وفاز الإسماعيلي بهدفين نظيفين.
ها هي الحقائق عن هذه الحقبة التاريخية يسجلها التاريخ ومثبته في كافة الصحف التي صدرت في هذه الفترة، ومنذ بدأت منافسات كرة القدم في مصر والعلاقة بين الأهلي والإسماعيلي كأندية وجماهير علاقة عادية غير متوترة إلا في موسم واحد وبسبب المنافسة الكروية الشديدة على الفوز بالدوري موسم 𝟏𝟗𝟔𝟕/𝟏𝟗𝟔𝟔 ورغم هذا لم يحدث أي شغب بين الجمهورين ومرت المباراة بحلوها ومرها دون أي حوادث شغب تذكر، وأعار الأهلي بعدها نجم دفاعه هاني مصطفي كما ذكرنا من قبل لدعم مسيرة الإسماعيلي أفريقيا برضا ودون أي رفض جماهيري بل قبول كامل وكانت جماهير الأهلي في طليعة 𝟏𝟑𝟎 ألف متفرج بإستاد القاهرة في نهائي دوري أبطال أفريقيا أمام الإنجلبير في مطلع يناير 𝟏𝟗𝟕𝟎، كما لم يكن الأهلي يوماً عائقاً أمام بطولة للإسماعيلي ولم يعطله عن الفوز بأي بطولة كما حدث ثلاثة مرات من أندية الزمالك والترسانة، وحتى هذه المرة الوحيدة التي كان التنافس فيها على أشده بين الفريقين على الفوز بالدوري كان الفوز في النهاية من نصيب الإسماعيلي محققاً أول بطولة في تاريخه.
فمن الذي أشاع عامداً كاذباً أن الأهلي رفض استضافة الإسماعيلي فترة التهجير؟، ومن الذي له كل لمصلحة في أن تكون مباريات الأهلي والإسماعيلي حرباً مستعرة بين جمهور الناديين وتكون مباريات ناديه المفضل في الإسماعيلية ثلجاً بارداً على ناديه وجماهيره؟، إن الإعلام الأبيض الزملكاوي كانت له اليد الطولي في نشر هذه الشائعة الحقيرة السخيفة للتغطية على أحداث مباراة الدورة الصيفية وانتقال الإسماعيلي للإقامة في مركز شباب الجزيرة واللعب على إستاد مختار التتش بالأهلي، فتجده يزهو كاذباً ويتحدث عن علاقات وهمية تاريخية بين الزمالك والإسماعيلي لا تجد لها أي دليل على أرض الواقع في الوقت الذي يسمم فيه أفكار جمهور الإسماعيلية بأحداث كاذبة مضللة لا هدف منها إلا إظهار المحبة الكاذبة للإسماعيلية من جهة وزيادة نير التعصب بين جماهير الأهلي والإسماعيلي من جهة أخري، وبالفعل شاهدنا مباريات الأهلي بالإسماعيلية كأنها حروب وليست رياضة، بينما كانت مباريات الزمالك بالإسماعيلية كأنها مباريات ودية وليست مباريات رسمية تنتهي في الغالب لمصلحة نادي الزمالك وبرضا كامل من جماهير الإسماعيلية، وهذا الأمر لا نرفضه لأنه هو أساس الرياضة ولكن نرفض أن تخرج مباريات الأهلي بالإسماعيلية عن الروح الرياضية الحقة بسبب شائعة حقيرة ملفقة أطلقها إعلام مزور لغرض خبيث وهو الاستفادة الخاصة لنادي على حساب نادي آخر باستخدام هذه الوسيلة القذرة.
بل إن هذا الإعلام لم يسكت عن هذا فقد جاء في إحدى الصحف الرياضية الأسبوعية والتي تحدث أحد كتابها عن توزيع جماهير كرة القدم في مصر، وقال فيما قال إن سبب كراهية جماهير بور سعيد للنادي الأهلي، أن نادي الزمالك استضاف النادي المصري في فترة التهجير بعد رفض الأهلي، محاولاً زرع الفتنة بين جمهور الناديين متجاهلاً عن عمد السبب الحقيقي لوجود نوع من التحفز عند جمهور بور سعيد تجاه الأهلي والذي نشهد أن حدته تراجعت كثيراً في السنوات الماضية، كما قال إن من أسباب الاحتقان المزعوم بين جماهير النادي تجاه النادي الأهلي جاء بعد فوز النادي المصري ببطولة كأس السلطان حسين ثلاثة مرات في الثلاثينات من القرن الماضي على حساب النادي الأهلي.
فالسبب الحقيقي لتحفز جمهور مدينة بور سعيد تجاه النادي الأهلي سببه الحقيقي هزيمة النادي المصري في مباراتين دراميتين في نهائي كأس مصر بالأربعينات، في نهائي بطولة كأس مصر موسم 𝟏𝟗𝟒𝟓/𝟏𝟗𝟒𝟒 كان النادي المصري متقدماً على النادي الأهلي بهدفين لمحمد حمودة إلي ما قبل نهاية المباراة بعشرة دقائق، وكانت المباراة مذاعة بالراديو وفجأة انقطع الإرسال الإذاعي في وقت كانت مدينة بور سعيد في فرح كبير بأول بطولة لكأس مصر في تاريخها وانطلقت الأفراح في كل شوارعها لتفاجأ صباح اليوم التالي بأن المباراة انتهت لصالح النادي الأهلي بثلاثة أهداف لهدفين فقد أحرز أحمد مكاوي هدفين وحسين مدكور هدفاً لتنقلب الأحزان إلي أتراح، وفي موسم𝟏𝟗𝟒𝟕/𝟏𝟗𝟒𝟔 أحرز النادي المصري هدفاً لحمدين الزامك وقبل النهاية بدقائق يحرز فؤاد صدقي هدفين متتاليين ليفوز الأهلي بالبطولة 𝟐/𝟏، والغريب أن هذا السيناريو تكرر موسم 𝟏𝟗𝟖𝟒/𝟏𝟗𝟖𝟑 فقد تقدم النادي المصري بهدف لحسام غويبة وشاهد الجميع السيد متولي رئيس النادي المصري بالمقصورة منتشياً فالمباراة على وشك الانتهاء وفي الدقيقة الأخيرة يحرز علاء ميهوب هدف التعادل وفي الوقت الإضافي يحرز خالد جاد الله وعلاء ميهوب هدفين ليفوز الأهلي 𝟏/𝟑، كما إن فوز النادي المصري بكأس السلطان حسين في الثلاثينات من القرن الماضي جاء نتيجة الفوز على أندية الأوليمبي والأهلي والزمالك ولم يكن عن طريق الأهلي وحده، والطريف أن إقامة فريق النادي المصري أثناء فترة التهجير كانت بمدينة الزقازيق في محافظة الشرقية.
هذه هي الحقائق الكاملة، ويتبقى الحديث حول لغة الخطاب الإعلامي التحكيم والانتقالات والاحتراف كأسباب محتملة للشغب والتوتر بين جمهوري الأهلي والإسماعيلي، والأسباب الحقيقية الأخرى لهذا التوتر